ميزانية مليار و809 مليون درهم… هل تنقذ قطاع تعليم السياقة من الإقصاء والإفلاس؟

 

في خضم أزمة مالية خانقة يعيشها قطاع تعليم السياقة بالمغرب، تطل علينا الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية (نارسا) بميزانية ضخمة وغير مسبوقة تبلغ مليار و809 مليون درهم برسم سنة 2025، منها 605 مليون درهم مخصصة للاستثمار و840 مليون درهم لميزانية التسيير، حسب ما أعلنه وزير النقل واللوجستيك عبد الصمد قيوح خلال الدورة الثانية عشرة للمجلس الإداري للوكالة.

هذه الأرقام المثيرة لا تخلو من تساؤلات مشروعة، خاصة من داخل قطاع تعليم السياقة، الذي يُفترض أن يكون في صلب استراتيجية السلامة الطرقية، لكنه لا يزال يعاني من تهميش واضح وتأجيل مستمر للبرامج المتفق عليها، وعلى رأسها مشروع المخطط المديري ، و الموقع المتعدد الخدمات، الذي كان من المنتظر أن يرى النور في يوليوز أو شتنبر 2024، لكن الوعد لم يتحقق، وتكرار التأجيل بات القاعدة بدل الاستثناء.

قطاع تعليم السياقة لم يعد يطالب بالدعم فقط، بل بحق الإنصاف والاستفادة من الميزانيات العمومية المخصصة للسلامة الطرقية، باعتباره النواة الأساسية لأي إصلاح حقيقي، والمجال الحيوي لتخريج سائقين مؤهلين ومسؤولين. كيف يمكن الحديث عن تقليص حوادث السير، بينما يظل الامتحان التطبيقي للحصول على رخصة السياقة دون المستوى، ينتظر الرقمنة (السيارة الذكية) والموضوعية، الوضع الحالي يشجع على ممارسات لا تربوية تزيد من منسوب المنافسة غير الشريفة بين المؤسسات؟

الرقمنة، تلك الكلمة الساحرة التي تتغنت بها الوكالة في تصريحات بالصوت والصورة، و عرض مشروع السيارة الذكية لأجل الانتقال الى تقييم آلي يضمن تكافؤ الفرص وللأجل نزاهة و مصداقية لا تزال غائبة عن امتحان تطبيقي حاسم، في وقت يتم فيه تقييم مرشحين على أساس انطباعات بشرية لا تخضع لأي معايير دقيقة أو موحدة، مما يقوّض مصداقية التكوين ويضرب مصير آلاف الشباب في الصميم.

فأين نصيب تأهيل الموارد البشرية لمهنيي القطاع؟ أين هي برامج الدعم المؤسساتي لمؤسسات تعليم السياقة الصغيرة والمتوسطة التي تعاني من وطأة ارتفاع التكاليف والركود المهني؟ هل ستظل نارسا تتحدث عن “الوقاية والتحسيس” بلغة العموميات بينما الفاعل الحقيقي في الميدان، أي مدرب السياقة ومؤسسات تعليم السياقة ، يصارعا البقاء بوسائل بدائية في مواجهة واقع رقمي وعصر متسارع؟

إن تمتيع القطاع بجزء من هذه الميزانية الضخمة لم يعد مجرد مطلب نقابي أو فئوي، بل ضرورة استراتيجية تفرضها طبيعة الدور المحوري الذي يلعبه تعليم السياقة في الوقاية من حوادث السير، وتكوين سائقين يساهمون في تحقيق هدف تقليص ضحايا حوادث السير الى أقل من”50% قتلى على الطرق” الذي ترفعه الوكالة شعارًا.

الرسالة واضحة: إما أن تكون الميزانيات في خدمة التغيير الحقيقي، أو تبقى مجرد أرقام تتكرر سنويًا دون أثر ملموس على أرض الواقع. فهل تكون ميزانية 2025 بداية تصحيح المسار، أم مجرد محطة أخرى لوعود مؤجلة؟

Posted in غير مصنف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا يمكنك النسخ