طور فريق بحث ياباني نوعا جديدا من الساعات الذرية باستخدام ذرات الكادميوم، تبلغ دقتها ألف مرة على دقة الساعات الذرية الحالية.
وتوصل الباحثون إلى هذا الإنجاز بعد اكتشافهم خاصية جديدة لعنصر الكادميوم يطلق عليها “الطول الموجي السحري”. ومن المتوقع أن تستخدم هذه الساعات الدقيقة في تحسين فهمنا للنظريات الفيزيائية واختبارها.
منذ أن نشر ألبرت آينشتاين نظرية النسبية العامة، عرف العالم أن الوقت يتدفق بسرعات مختلفة حسب المكان الذي تتواجد فيه. ويرجع هذا أساسا إلى تأثير الجاذبية، إذ ينساب الزمن بشكل أبطأ كلما كان حقل الجاذبية أقوى. ورغم أن هذا الاختلاف لا يكون محسوسا بالنسبة إلينا، فإن الساعات الذرية الدقيقة للغاية يمكنها قياسه.
وعكس ما يعتقد كثيرون، فإن لهذه الاختلافات أهمية بالغة في مجال البحث العلمي واختبار النظريات الفيزيائية؛ إذ تساعد القياسات الدقيقة للوقت الباحثين في قياس ظواهر فيزيائية أخرى مرتبطة بتدفق الوقت.
فعلى سبيل المثال، يمكن قياس كثافة المواد تحت سطح الأرض بدقة باستخدام الساعة الذرية، نظرا إلى أن تغير قوة الجاذبية يؤثر في تدفق الوقت. وهذا النوع من المعلومات مفيد للباحثين الذين يدرسون البراكين والصفائح التكتونية والزلازل
في الوقت الحالي، تعمل أحدث الساعات الذرية القائمة على اهتزاز ذرات مثل السيزيوم، على سبيل المثال، بهامش خطأ لا يتجاوز ثانية واحدة كل عشرة ملايين سنة. ودون هذه الدقة العالية لم يكن للنظام العالمي لتحديد المواقع العالمي (جي بي أس) أن يكون ذا فاعلية في تحديد المسافات والمواقع.
ساعات الشبكة الضوئية
لكن الباحثين يسعون لتحقيق دقة أكبر بنحو ألف مرة من الساعة السيزيوم الذرية، باستخدام عنصر الكادميوم في تصنيع ساعات ذرية يطلق عليها “ساعات الشبكة الضوئية”.
تعود الفكرة الأولى التي اقترحها البروفيسور هيديتوشي كاتوري من جامعة طوكيو إلى عام 2001. وتتمثل في حبس عدد كبير من ذرات الكادميوم في شبكة من الليزر وقياس اهتزازاتها في وقت واحد، مما يحسن بشكل كبير دقة قياس الوقت.
وتعد نظائر الكادميوم مثالية لأنها تحتوي على بعض الخصائص التي تساعد في تقليل الضوضاء في هذا النوع من الأنظمة الكمومية. ولكن من أجل إنشاء ساعة تستند إلى هذا المبدأ، هناك العديد من العقبات التي يجب التغلب عليها، وهو ما نجح فيه الباحثون اليابانيون مؤخرا.
وقال الباحث أتسوشي ياماغوتشي من المعهد الياباني للبحوث في العلوم الطبيعية (ريكن)؛ “لقد حددنا تجريبيا ما يسمى “الطول الموجي السحري” للكادميوم الذي يعد أحد المعايير الأساسية لتشغيل ساعة الشبكة البصرية”.
ويضيف المؤلف الرئيسي للدراسة المنشورة في دورية “فيزيكال رفيو لترز” في 13 سبتمبر/أيلول الجاري “أن الشبكة الضوئية -في الساعة الذرية الجديدة- تنشأ من أنماط تداخل ضوء الليزر، التي يرتبط طولها الموجي بالذرات المستخدمة في الشبكة. ويبلغ طول الموجة الأمثل أو” السحري “لبناء الشبكة باستخدام نظائر الكادميوم نحو 419.88 نانومترا”.
ومن السمات المهمة لنظائر الكادميوم التي تجعلها مثالية لساعات الشبكة الضوئية، هي أنها لا تتأثر بالتغيرات التي تحصل في محيطها بسبب ذرات العناصر الأخرى ونظائرها.ويسعى الباحثون الآن إلى تقييم أداء هذه الساعة عالية الدقة على أرض الواقع، حتى يتمكن العلماء في مختلف المجالات من استخدامها لدراسة الأفكار الراسخة في علم الكونيات، مثل النسبية العامة والثوابت الأساسية للطبيعة، وربما إعادة النظر فيها يوما ما، كما يقول كاتوري
المصد/ الصغير محمد الغربي